ماجد الكندي: الاقتصاد الإسلامي قادر على التأقلم وضمـان العـيـش الكريم لكل الأفراد
يجب أن تضاعف الجهود لأجل تقريره وتحريره بما يستهدي بالنصوص الشرعية -
أجرى الحوار: سالم بن حمدان الحسيني -
أكد فضيلة الشيخ الدكتور ماجد بن محمد الكندي أمين فتوى بمكتب الإفتاء بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية والباحث في الاقتصاد الإسلامي أن الاقتصاد الإسلامي بنظمه العامة الثابتة هو وضع إلهي يسعى لحل المشكلة الاقتصادية وبه من المقومات ما يجعله قادرا على التأقلم وضمان العيش الكريم لكل الأفراد، مشيرا إلى أن الشريعة أقامت هيكل السوق في الإسلام على المعرفة التامة وحرية الاختيار المعبرة عن إرادة حقيقية دون مشوهات وضمنت أن لا تغول للمصلحة الخاصة على المصلحة العامة، ولذلك فلابد أن تضاعف الجهود لأجل تقريره وتحريره بما يستهدي بالنصوص الشرعية. مشيرا إلى ان هنالك دراسة حديثة تشير إلى أن صناعة الحلال تشهد نمواً قوياً بمقدار 500 مليار دولار في العام، وأن حجم السوق الاستهلاكية للمنتجات والخدمات العالمية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية سترتفع من تريليوني دولار حالياً لتبلغ 6 تريليونات دولار في عام 2020، وتصل إلى 10 تريليونات دولار في عام 2030. وأن سوق صناعة الأغذية الحلال تنمو بواقع 17 في المائة سنويا.. تفاصيل أكثر نقرأها في الحوار التالي:
■ بداية نود منكم إعطاء لمحة سريعة للقارئ الكريم عن مفهوم الاقتصاد الاسلامي؟ وما هو الدور الذي يؤديه قطاع التمويل الإسلامي محليا وعالميا؟ وما مدى فاعليته في صياغة السياسات وإدارة الأنظمة الاقتصادية؟
- الجواب: المذهب الاقتصادي عموما هو منظومة قيم تدرس السلوك كما يجب أن يكون ثم توجهه الوجهة المرغوبة، وأصل ذلك كله أن هناك مقابلة غير متكافئة بين الموارد المحدودة نسبيا والحاجات الإنسانية المتنامية وغير المحدودة، ومن الافتراضات التي يقوم عليها علم الاقتصاد أنه لا توجد هناك حدود لما يحتاجه الإنسان في مقابل محدودية الموارد، وهو ما يعرف في العرف الاقتصادي بالمشكلة الاقتصادية، والاقتصاد الإسلامي هو نظرة شاملة عامة تسعى إلى حل المشكلة الاقتصادية، لأن الأرض ممهدة للإنسان حتى يستنبط خيراتها فتكفيه لعيش كريم له ولبني جنسه وكل من عليها وفق موجهات شرعية مبثوثة في الكتاب والسنة.
وأضاف: النظام الاقتصادي هو الذي يسعى لتحقيق أهداف المجتمع الاقتصادية ويحل المشكلة الاقتصادية؛ إذ إن الأطر المؤسسية هي التي تترجم المبادئ إلى واقع، وكل نظام اقتصادي يتكون من جزأين:
أولهما: القناعات النظرية والفلسفية التي يؤمن بها في تفسيره للحياة الاقتصادية، ويمثل هذا القسم الروحي.
ثانيهما: تشكيلة المؤسسات التي تترجم القناعات إلى الواقع العملي، ويمثل هذا القسم الجسد.
وهنا يمكن إجمال تعريف الاقتصاد الإسلامي: علم يعنى بدراسة النشاط الاقتصادي (استهلاك، إنتاج، توزيع، تبادل)، وما ينشأ عن هذا النشاط من ظواهر وعلاقات، في ضوء أحكام المذهب الاقتصادي في الإسلام.
ومن السابق والتعريفات المختلفة يتبين أن التمويل الإسلامي هو وسيلة من الوسائل التي يستعان بها لتحقيق أهداف الاقتصاد الإسلامي، وهذه الوسيلة لازمة في فعالية التبادل، والتبادل فعالية واحدة من الفعاليات الاقتصادية الأربع وهي التوزيع والإنتاج والتبادل والاستهلاك، ويفترض فيها أن تكون حلقة من منظومة من المؤسسات والتشريعات التي تهدف مجتمعة إلى تحقيق رفاهية اقتصادية واجتماعية تشمل حياة الأفراد والأمم (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)، أما العناية بشيء دون شيء من أفراد المجموعة فقد يجعل خللا في النتائج المرجوة.
■ واجه الاقتصاد الاسلامي كعلم ونظام اقتصادي وكذلك البنوك الإسلامية الكثير من التحديات من أجل البقاء والاستمرار ثم التحدي الأكبر وهو النجاح.. ما هي أبرز تلك التحديات في نظرك؟
- علم الاقتصاد الإسلامي من حيث التنظير والبحث على مستويات الاقتصاد المختلفة وهي الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي علم حديث النشأة، ولا يزال بكرا يلزم أن تضاعف الجهود لأجل تقريره وتحريره بما يستهدي بالنصوص الشرعية، وهكذا تحليل الظواهر الاقتصادية والآثار الناجمة عن تطبيق مفرداته أمر يلزم أن يوجه الباحثون في مجال الاقتصاد الإسلامي إليه مزيدا من الاهتمام، فتعاون نظرة الإسلام في تنظيم مرحلة التبادل في العقود والتمويلات وانتقال الملكيات مع جانب الضمان الاجتماعي والتشريعات المنظمة له في الإسلام سواء أكانت في الزكاة والصدقات أم في الأوقاف والوصايا، مع جانب العناية الشرعية بشأن التشغيل العام للموارد الاقتصادية سواء أكانت موارد طبيعية أم بشرية كله لا يوجد على نماذج الاقتصاد المطروحة سواء أكانت رأسمالية أم اشتراكية لأن الاقتصاد الإسلامي يعمل في بيئة لا تفصل الرفاهية الاقتصادية العامة عن الرفاهية الاقتصادية الخاصة بل تسعى من الأولى إلى تحقيق الثانية، كما أنها لا تجعل فجوة بين النجاح الدنيوي والنجاح الأخروي بل إن طلب النجاح الأخروي هو الذي يحقق النجاح الدنيوي، لذلك فالاقتصاد الإسلامي في نظرته يحقق الرفاهية في أعلى مستوياتها لذلك لم يكن عجبا في الاقتصاد الإسلامي أن تبذل نفوس الأغنياء وأموالهم في سبيل حفاظ المجتمع على فريضة الزكاة التي تحفظ المجتمع وتضمن له توازن السير في الحياة، في الوقت الذي لم تكن فيه الزكاة ولن تكون إلا داعمة لرواج الاقتصاد وازدهاره. ومن السابق فاقتصادات المشروع الخاص ممثلة في الرأسمالية ازدهرت من حيث إنه تبنتها الدول الكبرى والجامعات ومراكز البحث وهو الأمر الذي لم يتحقق للاقتصاد الإسلامي إلا في حدود عقد من الزمان، ومع ذلك فهو نمو مطرد ولله الحمد.
■ يقال إن الأزمة المالية العالمية عام 2008 كانت بمثابة ميلاد جديد للاقتصاد الإسلامي.. ما هو سبب انتعاش الاقتصاد الاسلامي بعد تلك الأزمة؟
- سبب ذلك أن الأزمة كانت أزمة مالية، وبسبب نظام الفائدة الذي لا يربط بين الاقتصاد الحقيقي والاقتصاد المالي كانت هناك تضخمات كبيرة في الرهون العقارية لأن التأخير في السداد يزيد الالتزام ويضاعفه فكان نظام الفائدة الربوية مدانا بالتسبب في الأزمة كما أدين من قبل في أزمات كثيرة منها أزمة الكساد الكبير التي كان حلها بإنقاص الفائدة الربوية إلى أدنى مستوياتها حتى يعود الاقتصاد إلى الرواج كما هو مشخّص ومبيّن في كتب التاريخ الاقتصادي. أما الاقتصاد الإسلامي فمعارض تماما لنظام الفائدة فالفائدة هنا سلبية وهي 2.5% للفقير متمثلة في الزكاة، ولا يمكن أن تتضاعف الديون إذ ذلك ربا محرم بل كبيرة من كبائر الذنوب، كما أن الشريعة أقامت جسرا ممدودا بين الاقتصاد الحقيقي والاقتصاد المالي فيفترض عند إقامة أحكام الشريعة كما جاءت بها النصوص أن تكون أي زيادة في الاقتصاد المالي تقابلها زيادة أخرى في الاقتصاد الحقيقي، وبذلك يضمن استقرار الاقتصاد وأن لا يجنح نحو التضخم ولا الانكماش.
■ يرى البعض أن البنوك الإسلامية ما هي إلا وسيط بين المدخر والمستثمر.. وليس لها دور في الأنشطة الاجتماعية.. هل تؤيدون توظيف فائض رأس المال غير المستثمر لتحفيز التنمية الاجتماعية بطريقة تضمن إحداث أثر حقيقي في المجتمع الإسلامي المعاصر؟
- البنوك الإسلامية مؤسسات هادفة للربح من خلال العقود التي تلتزم بعدم معارضتها لمقررات الشريعة لكنها ليست مسؤولة عن التنمية الاجتماعية، كما أن أي مستثمر خاص ليس مسؤولا عن التنمية الاجتماعية، لكن الاقتصاد الإسلامي فيه مؤسسات أخرى راسخة البنيان في تدعيم الضمان الاجتماعي والرفاهية الاقتصادية كمؤسسة الزكاة ومؤسسة الوقف والدولة وواجباتها تجاه الاقتصاد وغير ذلك، وحتى يتحقق الدور المنشود للبنوك الإسلامية لا بد من أن تعمل مؤسسات الاقتصاد الإسلامي متكاملة وهناك تبرز آثارها، أما عمل البعض دون البعض فمرحلة تطلب لتتجاوز إلى ما بعدها لكنها لن تحقق الآثار كاملة.
■ هناك أصوات تنادي بوجود سوق عالمية للحلال.. فهل ترى أنه طموح بعيد المنال؟ أم هو احتمال قائم على المدى القريب؟
- لا، ليس ذلك بعيدا بل هو قريب المنال وهو حقيقة واقعة فقد توقعت دراسة حديثة نمو سوق الحلال العالمية تسع مرات ليبلغ 10 تريليونات دولار في عام 2030 ، مؤكدة أن صناعة الحلال تشهد نمواً قوياً بمقدار 500 مليار دولار في العام، وأشارت الدراسة، التي نشرتها وكالة الأنباء الإسلامية الدولية (إينا) إلى أن حجم السوق الاستهلاكية للمنتجات والخدمات العالمية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، التي تشمل قطاعات الغذاء والمصارف وتصنيع الأدوية ومواد التجميل واللوجستيك والسياحة سترتفع من تريليوني دولار حالياً لتبلغ 6 تريليونات دولار في عام 2020، وأوضحت الدراسة وفقاً لوكالة الأنباء السعودية أن المحرك الرئيس لنمو سوق الحلال العالمية هو زيادة عدد المسلمين في العالم، وتطور اقتصادات الدول الإسلامية، وتزايد الطلب والإقبال على منتجات الحلال من الأسواق الجديدة في أوروبا واليابان والهند والصين. وبحسب الدراسة فإن الدول الآسيوية تستهلك من تجارة الحلال العالمية نحو 63.3 في المائة، والدول الأفريقية نحو 24 في المائة، في حين تستهلك الدول الأوروبية نحو 10.2 في المائة، في مقابل 2.5 في المائة للدول الأميركية. وأفادت الدراسة بنمو سوق صناعة الأغذية الحلال بواقع تقريبي سنوي بلغ 17 في المائة.
وأضاف قائلا: هذا الذي عليه الأرقام والدراسات، وموقع وكالة الأنباء الإسلامية الدولية إينا (INA) يبرز كثيرا من هذه الحقائق وحسبك أنه أقيم في كوالالمبور في الفترة من 3 إلى 6 أبريل 2019، “معرض الحلال الدولي”، بمشاركة أكثر من 1000 عارض من جميع أنحاء العالم، وقال نائب الرئيس التنفيذي لهيئة تنمية التجارة الخارجية الماليزية وان لطيف: إن المعرض في نسخته الـ16 يعتبر أكبر معرض تجاري للمنتجات الحلال في العالم، وأضاف: إنه في عام 2018م، جذب المعرض 778 عارضاً من 32 دولة و21000 زائر من جميع أنحاء العالم. موضحا أن المعرض سيعمل كمنصة للشركات الصغيرة والمتوسطة لعرض العلامة التجارية وخدمات الحلال للزوار.
■ هل ترى أن بمقدور الاقتصاد الإسلامي تخطي ما يطلق عليه بمرحلة الثورة الصناعية الثالثة؟ وما هي المعينات على تحقيق ذلك؟
- لعلك تقصد الثورة الصناعية الرابعة لأن نجم الثالثة أضحى قريب الغروب، وتذكر الدراسات الكثيرة الآن ومراكز البحث أن أهم ميزة في الثورة الصناعية الرابعة أنها تقترح طرقاً جديدةً تماماً، تصبح فيها التكنولوجيا جزءاً لا يتجزأ من المجتمع بل من أجسامنا البشرية كأفراد، وذلك مثل المدن الذكية وارتباط حركة الفرد والمجتمع بالشبكة وتكنولوجيا الفضاء الخارجي وتقنيات التعديل الجيني والتعلم المتعمق للآلة والأشكال الجديدة للذكاء الاصطناعي، ومقاربات جديدة للحوكمة تعتمد على طرق تشفير مبتكرة مثل سلسلة الكتل(Blockchain).
وأشار إلى ان الاقتصاد الإسلامي بنظمه العامة الثابتة وضع إلهي به من المقومات ما يجعله قادرا على التأقلم وضمان العيش الكريم لكل الأفراد، فإن الشريعة أقامت هيكل السوق في الإسلام على المعرفة التامة وحرية الاختيار المعبرة عن إرادة حقيقية دون مشوهات وضمنت بحدود معينة أن لا تغول للمصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وأن لا مزايدة على كرامة ابن آدم وتفضيله على غيره مهما كانت الظروف، وهذا يعلم بجملة من التشريعات الفرعية، فالأمر ملقى الآن بساحة فقهاء الشريعة وعلمائها ليخرجوا من أصول الشريعة وأحكامها الثابتة ما يلبي حاجة الإنسان في هذا التقدم المتسارع وأن يوظفوه فيما يعود على البشرية بالخير والمنفعة، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تعترض الشريعة على التقدم المدني والرفاهية إلا أن يكون في ذلك ضرر على العباد.
■ علق في أذهان الكثير أنه لم يلمس فرقا في التعامل المصرفي وخاصة في مجال التمويل الشخصي والفوائد المحصلة منها بين المصارف الإسلامية والتقليدية.. ويرى أنها مجرد تسمية.. هل من توضيح مفصّل يغير تلك القناعات ويغير ذلك المفهوم؟
- التمويل الإسلامي مختلف في منطلقاته تمام الاختلاف مع التمويل التقليدي ولا يجمع بينهما جامع يعلم ذلك الحقوقيون الذين يعلمون بنية العقود والمصرفيون المدركون لحقيقة العقود في المصرفين، والتشابه في بعض النتائج لا يستلزم التشابه في المنطلقات والحقائق، فالتمويل الإسلامي يكون الممول فيه تاجر معرض للربح والخسارة، أما التمويل التقليدي فالممول فيه لا يعدو أن يكون مقرضا لا يمكن بحال من الأحوال أن يخسر لأن القرض مع زيادة مشروطة يضمن له ماله وزيادته، ثم إن كُلَف التمويل الإسلامي تفوق وتزيد على كلف التمويل التقليدي لأن الممول الإسلامي ينوبه ما ينوب التاجر فهو يشتري السلعة ويتعرض لمخاطرها، وهو في حال إعسار المدين مخاطب بقوله تعالى: (وإن كان ذو عسرة فنظِرة إلى ميسرة) أما التقليدية فغير ملتزمة بذلك كله.